رائد التغيير المهندس فيصل بن شملان ..
باقٍِ في قلب اليمن وخالدٌٌ في تاريخه
من المعيب أن تمر الذكرى الثالثة لرحيل رائد التغيير في اليمن المهندس فيصل بن شملان - رحمه الله - وسط هدوء وإهمال وتقصير من قبل الدولة والأحزاب والفعاليات المدنية والجماهيرية في إحيائها وتقديم الواجب نحو صاحبها، إنه لأمر مشين في جبين الوطن وقواه السياسية والثورية؛ كونه يعد نكراناً وجحوداً يستدعي النقد بكل حروف وعبارات النقد المعروفة، اختفى ذكره في خطابات السياسيين ووسائل الإعلام والفعاليات الثورية والوطنية، وبدأنا نخاف أن ينسى الناس متى ترجل إلى مثواه الأخير، رغم يقيننا أنه باق في القلب وخالد في الذاكرة والتاريخ.
فهذا الرجل العظيم الذي استحق بجدارة أن يكون رائداً للتغيير في اليمن بشهادة الجميع دون استثناء له الفضل في أن يشهد اليمن أول انتخابات رئاسية تنافسية حقيقية بخوضه غمارها منافساً لنظام أسري مستبد متخلف، اتخذ من الديمقراطية شعاراً وشكلاً بلا مضمون، وادعى الجمهورية، ومارس الملكية الفردية القائمة على التوريث والقمع والتزييف، أصم آذاننا بالتغني للوحدة، ومارس الانفصال والتشظي وقتل قيم التوحد في قلوب الشعب اليمني في الشمال والجنوب على حد سواء، وما إلى ذلك من ممارسات أضرت بحاضر اليمن ومستقبله، والتي قرر بن شملان أن يقود الأمة ضدها مطالباً بالتغيير، وهو يعلم مدى تخلف وجهالة ودموية ذلك النظام.
في انتخابات الرئاسة التي جرت في سبتمبر 2006م توارى كل السياسيين والشخصيات الوطنية والحزبية، رافضين خوض المنافسة لرأس ذاك النظام؛ لما يعرفون عنه من حب للسلطة وإصرار على اغتصابها بالقوة والتزوير؛ فانبرى له بن شملان الرجل الوطني المعروف بنزاهته وكفاءته ووطنيته ليقود لواء التغيير مقدماً للأمة درساً وطنياً في التنافس الحضاري والخطاب الموضوعي القائم على الخلق والمبادئ الشريفة، فقابل الإساءة بالحسنة، والانفعال والشطط بالهدوء والتوازن، حتى إن خصمه الغارق في مستنقع الإجرام والفساد لم يجد ما يقوله في حق بن شملان، فانكشف على الملأ بقاموس ألفاظه المنبوذة التي لم يكن لها أثر إلا على قائلها.
أما المناضل فيصل بن شملان فقد قبل أن يقود عملية التغيير بروح عالية قوية وبأخلاق فاضلة، رافضاً السقوط إلى مستوى خصمه في استخدام الأساليب الدعائية التي تنافي الأخلاق وقواعد المنافسة الشريفة من افتعال وتلفيق للأحداث، وتخويف وإرعاب للناس وشراء للذمم، ونسج للأكاذيب والقصص الرخيصة، وما إلى ذلك من ممارسات سيئة سخر منها العالم وقابلها بن شملان بشموخ صمته وهدوئه ورصانته.
لقد كان رجلاً عظيماً يدرك مسؤوليته في إرساء تقليد ديمقراطي حقيقي وحضاري؛ فضحّى وتحمل وصمد وحرص على غرس العزيمة والإرادة القوية في نفوس اليمنيين بإمكانية إحداث تغيير سياسي سلمي، فما هي إلا أعوام خمسة وآتت أكلها بإذن ربها بانطلاق الثورة الشبابية الشعبية في كل أنحاء اليمن منادية بالتغيير السلمي ورحيل النظام الأسري الاستبدادي مقتفية سلوك ومبادئ رائد التغيير المهندس فيصل بن شملان الذي عاش عظيماً ومات عظيماً متواضعاً زاهداً.
أتذكر ذلك اليوم الذي رفض فيه أن يبارك أعمال التزوير وسلب إرادة الشعب بالنصر المسروق لخصمه الذي هدد باستخدام الطائرات لسحق صنعاء إذا لم يعلن فوزه في هذه الانتخابات التي كانت كل مؤشراتها ونتائجها الأولية في صالح التغيير وقائده فيصل بن شملان، الذي أعلن وفاءه للمعتقلين من أنصاره في ظل مصادرة اللجان والصناديق الانتخابية، فاستحق حب الجميع بشجاعته وإقدامه وثباته وأخلاقه وصفاته ومواقفه، لم يضعف لحظة أمام الإغراءات، ولم يجبن أمام الطغيان وجبروته، عرفناه مثالاً للشجاعة والنزاهة والزهد والإخلاص والتفاني والاستقامة والتواضع، كيف لا وهو النائب الوحيد الذي استقال من عضوية مجلس النواب، رافضاً التمديد الذي منحه النواب لأنفسهم؟ قائلًاً: (لقد انتخبني أبناء دائرتي لأربع سنوات، فمن يعطيني حق تمثيلهم سنوات أخرى )، وغادر البرلمان بشموخ كبير وحيداً، كما هو شأن العظماء لا يجاريهم أحد في نبذ السلطة وغرورها.
ألم يكن وزيراًً للنفط واستقال منها مغادراً كرسي من ذهب، وكان بإمكانه أن يكسب الملايين بجرة قلم لو أراد ذلك؟ لكنه رفض أن يبقى في قمتها والفساد يسرح ويمرح عابثاً بثروات الوطن والأمة بحصانة من رئيس الجمهورية آنذاك؟ كم له من مواقف عظيمة وأدوار بطولية قدمها بإخلاص وتواضع جم لم يفارقه حتى لحظة وفاته حين قال: ادفنوني عقب أول صلاة تمر على وفاتي وبدون أية مراسم، فحال دون حضور الملايين الذين كانوا يرغبون في فسحة من الوقت تمكنهم من الوفود إلى عدن لتشييعه ودفنه.. هل بعد هذا من تواضع؟
إنه لمن الواجب علينا أن نحيي ذكراه وأن نجعل أول يوم من كل عام يوم تكريم وتقدير واحتفاء بأحد عظماء اليمن وروادها، يومٌٌ نعلي فيه قيم النزاهة والزهد والشجاعة والحرية، يوم تتلقى فيه أجيالنا الجديدة دروس الوطنية والنضال والصمود في وجه الظلم، وما إلى ذلك من صفات عظيمة تجسدت في شخصية رائد التغيير في اليمن المهندس فيصل بن شملان الشخصية الوطنية الزاهدة، التي سيسجلها التاريخ في أنصع صفحاته، وستظل منارة هادية وقدوة حسنة تأتم بها الأجيال القادمة.
إنني أطالب القوى السياسية والثورية والدولة ممثلة بالرئيس هادي وحكومة الوفاق الوطني تقديم جزء بسيط من واجب الوفاء لهذا الرجل الوحدوي الهمام.. أليس حري بنا تسمية أحد شوارع العاصمة باسمه وإطلاق اسمه على إحدى الجامعات اليمنية أقل ما يمكن أن نرد به الجميل لمن أعطى وقدم للوطن.. رحم الله المهندس فيصل بن شملان وأسكنه فسيح جناته، والله المستعان.
في
الثلاثاء 01 يناير-كانون الثاني 2013 12:04:55 ص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق